جريدة البلاد 21 ربيع الآخر 1445هـ - 05 نوفمبر 2023م
إطلاق نقابة
للعمالة المنزلية... هل سيحدّ من مشاكل الهروب والاتجار بالبشر؟
تعد ظاهرة العمالة المنزلية من القضايا الشائكة التي اهتم بها
المجتمع الدولي، حيث عقدت من أجلها المؤتمرات ووضعت الاتفاقيات كجزء من منظومة
الآليات والمعايير الدولية التي تنظم عملها وتوفر الحماية القانونية لها، كما
اعتمدت أحياناً الاتفاقيات الثنائية بين الدول للهدف ذاته، وخصوصاً أن العمال
المنزليين يشكلون جزءاً من قوة العمل العالمية في التوظيف، وهم الأكثر ضعفاً
وتهميشاً لأنهم غالباً ما يعملون في ظروف غير واضحة المعالم في إطارها القانوني،
وهم أكثر الفئات التي يتم إقصاؤها من الحماية الفعلية في تشريعات العمل.
6.6 مليون عدد العمالة في الدول العربية
ويبلغ حجم قطاع العمالة المنزلية حول العالم بحسب آخر الإحصاءات أكثر من 52.6 مليون
عامل منزلي، ووفقاً لأحدث دراسة لمنظمة العمل الدولية فإن أعداد العمالة المنزلية
تضاعفت في البلدان العربية لتبلغ 6.6 مليون عامل منزلي وهم يشكلون ما بين خمس وربع
القوى العاملة في معظم الدول الخليجية.
وبحسب دراسة بحثية لواقع العمالة المنزلية في البحرين، فإن الوقائع تكشف عن معاناة
العمالة المنزلية في المملكة خصوصاً مع تنوع الانتهاكات التي تحدث من قبل أرباب
الأسر التي تعمل لديهم العمالة المنزلية، حيث تتعرض للاستغلال والانتهاكات في
الحقوق ما بين عدم تسديد الأجور أو تأخر سدادها أو مصادرة جوازات السفر وعدم توفير
سكن لائق، وساعات عمل ممتدة وأحياناً تعرض البعض إلى الاعتداء اللفظي أو الجسدي،
وهو الأمر الذي يسبب قلق للمنظمات العمالية والحقوقية، مع الأخذ بالاعتبار نسبية
الممارسات بسبب التطورات التشريعية والإجرائية التي تنظم عمل العمالة المنزلية
وتأثيرها على اتجاهات الوعي لدى الأسرة البحرينية.
أما الأكثر سوءا فيتمثل بمعاناة العمالة المنزلية في دول الإرسال، حيث تمر بمكاتب
توظيف متعددة “الوسطاء” التي تقوم باستغلالها وتحميلها تكاليف إضافية تزيد من قيمة
التكلفة، وتعتبر هذه التكاليف من أسوأ القيود التي تكبلها وتدفعها إلى الاستدانة.
الأسرة والعمالة المنزلية
ارتبط وجود العمالة المنزلية عاما بعد عام في نطاق الأسرة البحرينية وشكل ظاهرة
اجتماعية مع الطفرات النفطية التي أحدثت متغيرات جذرية في المجتمع، وأثرت فيها
عوامل الحداثة والثقافة الاستهلاكية، وبرزت طبقة الوكلاء التجاريين المحليين التي
تعمل كوسيط بين المصدرين الدوليين والمجتمعات المحلية، ويعتبر وجود العاملات
المنزليات في الأسر البحرينية ظاهرة منتشرة حيث تضم العديد من الأطفال ويشيع بين
أفرادها نمط السلوك الاستهلاكي وتميل إلى السكن في المنازل الواسعة.
وتشير بيانات تعود للعام الماضي 2022 بأن عدد أفراد الأسر البحرينية يبلغ 143,391
أسرة بحرينية لديها عاملات مقابل 102,592 أسرة غير بحرينية، وذلك بنسبة 58%، وتمثل
هذه النسبة انخفاض في العدد مقارنة بـ 149,000 في العام 2016.
جنسيات العمالة المنزلية
في البحرين يتفاوت الطلب على مختلف جنسيات العمالة المنزلية المهاجرة وذلك نتيجة
عوامل متعددة، تاريخية واجتماعية، واقتصادية، وإلى زمن مضى كانت سريلانكا تتقدم
البلدان التي يتم إرسال العاملات المنزلية منها مقارنة بالبلدان الأخرى، تليها
الهند فالفلبين فبنغلاديش وبعدها باكستان، إلا أن ذلك تراجع لأسباب متعددة حيث تحول
اتجاه الاستقدام إلى الفلبين، وحظيت العاملات الفلبينيات بالأفضلية على غيرهن، نظرا
لمستواهن في التعليم والقدرة على التحدث باللغة الإنجليزية فضلاً عن ارتفاع وعيهن
نسبياً، لكن وبسبب وضع حكومة مانيلا شروطاً وقيوداً لضبط عملية الاستقدام زاد
استقطاب العمالة الأندونيسية والإثيوبية.
وكانت سوق العمل في البحرين قد استقطبت حتى الربع الأول من عام 2021 عمالة منزلية
وصل إجمالي عددها إلى 64,829 منهم 45,414 من الإناث و 19,41 من الذكور وتتصدر
الفلبين دول الاستقدام بعدد 16,202 يليها الهند بعدد 16,037، ثم إثيوبيا بعدد 9102
وبنغلاديش 7793، فيما تستقدم بقية العمالة من إندونيسيا وكينيا وسيريلانكا
وباكستان.
الهروب والاتجار بالبشر
تمثل مشكلة ترك العاملات منازل الأسر التي يعملن فيها وهروبهن منها ظاهرة منتشرة
ومتصاعدة في المجتمع المحلي، وهي تعد مشكلة مزدوجة، فمن جهة، تعاني منها الأسرة
البحرينية التي تتحمل الخسائر المالية لاسيما مع ارتفاع أسعار الاستقدام وعدم إنصاف
الإجراءات المعمول بها، والتعويض في الحالات التي تتسبب فيها الثغرات في تطبيق
القانون، الأمر الذي يستنزف ميزانيات الأسر، ومن جهة أخرى، تكشف عن معاناة العاملات
المنزليات وما يتعرضن له من أضرار مادية وجسدية ومعنوية في توفير الحماية وضمان
الحقوق.
وتشير بعض التقارير الرسمية إلى أن بعض العاملات يتركن العمل بعد مجيئهن بيوم أو
يومين، وبعضهن بعد انقضاء فترة التجربة المحددة 3 أشهر، وذلك قد يكون بسبب سوء
معاملة المخدومين وأصحاب العمل.
ويقول أحد المتضررين عن تفاصيل هروب عاملته بعد فترة قصيرة، إنه وأثناء خروجه لقضاء
أحد مشاويره تفاجأ برؤيتها تعمل لدى أحد الأقرباء الذين استقدموها عن طريق أحد
مكاتب النظام بالساعات، وهذا الأمر غير قانوني فهم يوظفون العاملات الهاربات بأجور
مغرية في المنازل والمكاتب أو الفنادق.
فيما تذكر إحدى ربات البيوت المتضررة أنها استقدمت عاملة لها وهربت، وبعد 3 أشهر
توجهت العاملة إلى مركز الشرطة، فاضطرت إلى تسفيرها على نفقتها وخسرت حوالي 1000
دينار، موضحة أنه وبعد 3 أشهر من ترك العاملة لها لم تحصل على تعويض مادي من مكتب
الاستقدام، مشيرة إلى أن القانون لا يصب في مصلحة أرباب العمل.
بيد أن أحد أصحاب مكاتب استقدام العمالة المنزلية عقيل المحاري يرى أن الضغوط
النفسية التي تعاني منها العاملات المنزليات تشكل سبباً رئيسياً لذلك، وخصوصاً أن
بعض الأسر تسيء للعاملات بالضرب والحرمان من الرواتب وحجم العمل المتراكم عليهن
ومنعهن من التواصل مع أهاليهن وعدم احترام خصوصيتهن، علماً أن تركهن مكان العمل
أحياناً يحدث دونما سبب وقد يكون جراء عدم القدرة على العمل أو عدم الرغبة فيه.
ويلفت أخصائي اجتماعي إلى عدة أسباب تدفع العاملة لترك عملها، كالتحرشات والعنف
والضغط وقسوة المعاملة السيئة من قبل أصحاب المنزل، إضافة إلى منعها من ممارسة
حياتها بشكل طبيعي كحرمانها من الهاتف أو التحدث مع أهلها ومن الراحة والتعامل
بعنصرية وإهانة العاملة؛ مما يدفعها إلى الهروب لأنها لا تستطيع البقاء طويلاً جراء
الضغط النفسي الممارس عليها، مشيراً إلى أن بعضهن يحملن شهادات جامعية لكن المعاملة
السيئة تضطرهن للهروب، وبعضهن يلجأن إلى ترك العمل بسبب تلقي عروض أفضل ورواتب
أكبر.
إلى ذلك تتضمن تقارير متعددة في سجلات جمعية حماية العمال الوافدين بيانات لعاملات
لجأن إليها خلال الفترة من 2019 وحتى 2021، حيث تضاعف عددهن بشكل مطرد ليبلغ 150
عاملة أغلبهن من العاملات المنزليات.
وأوردت التقارير أن شكواهن تركزت على المعاملة غير الإنسانية التي يتعرضن لها من
أصحاب العمل، إذ بلغ عدد الإساءات والانتهاكات التي تعرضن لها 119 إساءة وانتهاكاً،
أكثرها تمحور حول عدم التزام أصحاب العمل بدفع الأجور والتعويضات بنسبة 15 %، يليها
التجاوزات والاعتداء اللفظي والجسدي والجنسي بنسبة 14 %، والهروب بنسبة 12 %، أما
القضايا القانونية والمسجلة لهن في هيئة تنظيم سوق العمل والمحاكم، فبلغت نسبتها 11
% وهناك 10 % تم تسجيلها لحالات تضمنت اتهامات كاذبة ضدهن إضافة إلى تعرض بعضهن إلى
التحايل من قبل الكفيل، كما تعرضت 9 % منهن إلى المرض وتضررت أخريات من عدم امتلاك
التأشيرة ونقلها إلى كفيل آخر بنسبة 9 %، فيما تم حظر السفر والترحيل القسري على 8
% منهن مع حجز جواز السفر.
وتتفق الآراء على وجود شبكات سماسرة خارجيين يتعاونون مع سماسرة محليين يستفيدون من
الأوضاع التي تعيشها هذه الفئة المهمشة، وأن أغلب قضايا ترك العمل للعاملات
المنزليات تتعلق بقضايا الاتجار بالبشر، إلى جانب وجود عصابات متخصصة من جنسيات
مختلفة يشترك فيها بعض العمالة السائبة التي تعمل في مهن مثل غسيل السيارات أو في
البرادات وهي تعمل في الخفاء لتهريب العاملات.
بدوره، يشير النائب البرلماني محمد العليوي إلى وجود مافيا منظمة تقوم بتهريب
العمالة وخاصة العمالة المنزلية، مطالباً بوضع حلول جذرية لهذه الظاهرة التي باتت
تتفاقم أمام مرأى ومسمع الجميع.
التنظيم والانضمام إلى النقابة
تشكل قضية التنظيم النقابي للعمالة المنزلية في البحرين تحدياً كبيراً للعمالة
نفسها وللاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بصفته المنظمة الأكثر تمثيلاً لعمال
البحرين، وخصوصاً أن نطاق تطبيق قانون العمل البحريني يستثنيها من أغلب أحكامه
ويطبق عليها مواد محددة، إضافة إلى قصور الاهتمام بتنظيمها وتهيئة الظروف لذلك من
الجهات الرسمية، كما أن هذا الجانب لا يمثل أولوية لمؤسسات المجتمع المدني أو
الشركاء الاجتماعيين كي يتبنّوا العلاقة معها وما يرتكب بحقها من ممارسات غير
إنسانية، ومما يزيد الأمر تعقيداً هو تدني وعي العمالة المنزلية بحقوقها النقابية
وبأهمية التنظيم النقابي الذي يجمعها ويدافع عن حقوقها ومطالبها.
وبحسب الأمين العام لاتحاد نقابات عمال البحرين عبدالقادر الشهابي، إن التحديات
تبرز في صعوبة التواصل مع العاملات المنزليات بسبب ظروف عملهن في بيئة مغلقة
والقيام بعمليات التفتيش على وضعهن في المنازل، ولاسيما أن القانون المحلي يمنع
تفتيش المنازل حفاظاً على حرمتها، الأمر الذي يجعلهن عرضة للانتهاكات والممارسات
التي تقارب الاستعباد، سواء في ساعات العمل الطويلة والحرمان من الإجازة الأسبوعية
والسنوية، وعدم انتظام دفع الأجور، لذا يستوجب بالضرورة تعزيز الوعي المجتمعي تجاه
العمالة.
وعلى الرغم من مطالبة الفعاليات النقابية الوطنية والإقليمية والدولية المستمرة
بالعمل على تأسيس نقابات عمالية خاصة للعمالة المنزلية انطلاقاً من كونها مسألة
أساسية تساهم في حل قضاياها وإيصال صوتها ومشكلاتها وفق القانون إلى الجهات الرسمية
المعنية بالأمر، إلا أن التحديات والصعوبات لا تزال مستمرة ولأسباب متعددة، وخصوصاً
أن أغلب مشكلات العمالة تنحصر في قضايا حقوقية إنسانية، مثل احتجاز مستنداتهن
الثبوتية من جواز السفر وبطاقة الهوية من قبل رب الأسرة، حيث يتكشف ذلك عند لجوئهن
للشكاوى في مراكز الشرطة.
وفي السياق ذاته، يشدد النقابيون والقانونيون على أهمية دور النقابة العمالة كشخص
معنوي لممارسة دورها في الدفاع عن حقوق العمالة المنزلية، وإن كان هذا الدور
محدوداً أحياناً بحكم الواقع وبمواجهة أصحاب العمل.
وعلى صعيد متصل، شدد الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين على ضرورة توقيع البحرين
ودول الخليج على اتفاقية تنظيم العمالة المنزلية رقم 189، وفي إطار ذلك يتكثّف
السعي مع مؤسسات المجتمع المدني وجمعية حماية العمال الوافدين في المملكة للتأكيد
على أهمية تأسيس تنظيمات نقابية لعاملات المنازل.
تحفَّظ على إطلاقها
إلى ذلك، تحفظ أحد المسؤولين في هيئة تنظيم سوق العمل على إطلاق نقابة للعمالة
المنزلية في الوقت الراهن، مشدداً على أهمية دراسة الواقع الحالي لوضع العمالة
المنزلية، معتبراً وجود النقابة له إيجابيات وسلبيات في آنٍ واحد إذا لم يكن هناك
شروط واضحة في العمل والتنظيم لسير عمل النقابة، ربما تكون هناك سلبيات تتعلق بخلق
فوضى من قبل العمالة نفسها في البدايات نتيجة قلة الوعي والمعرفة بالقوانين المحلية
والدولية بشأن حقوقهم، إضافة لمخاوف أخرى تتعلق بتدخل السفارات الأجنبية في أعمال
النقابات، مستدركاً، أن من الإيجابيات التي ستكون مع مرور الوقت هو لجوء الكفيل إلى
النقابة في حال وجود أي خلاف بحاجة إلى تسويات ودّية بين رب العمل والعامل، إضافة
إلى تسجيل بلاغات في حال الهروب، أو في حال وجود مشكلات مع مكاتب الاستقدام، حيث إن
وجود نقابة واعية سيكون له أثر إيجابي للحد من مظاهر تهريب العاملات أو حالات
الاستغلال من قبل سماسرة التهريب المتاجرين بالبشر.
التوصيات
إن ارتفاع معدلات استخدام العاملات المنزليات يشكل وضعاً مركباً ومعقداً، إذ إن
المعاناة تبدأ منذ وجود العمالة في بلادها الأصلية وما تتعرض إليه من فقر وعوز
وبطالة وشح في فرص التعليم والتدريب وقصور في القوانين والتشريعات الوطنية التي
تحمي حقوقها.
وتبقى العمالة المنزلية بحاجة إلى تنظيم فعال وموثوق به تلجأ إليه ويكون مختلفاً عن
دور الكفيل ومكاتب الاستخدام في بلد الإرسال وبلد الاستقبال حيث يحتمل أن تشكل
المكاتب أحد مصادر مشكلات العمالة المنزلية ومعاناتها في عمليات الغش والاحتيال
والابتزاز الذي يمارس من بعض وكالات الاستخدام وأصحاب العمل والجهات الكفيلة خلال
عمليات الاستقدام وعبر عدم سداد الأجور أو سدادها منخفضة مقارنة بالوعود التي قطعت
للعاملات المنزليات قبل مغادرتهن بلد الإرسال.
كل هذا يضع تحدياً بارزاً أمام الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بصفته الأكثر
تمثيلاً للعمال، لتعزيز مبادراته وتطويرها تجاه فئة العمالة الوافدة في إطار خطة
إستراتيجية وآلية عمل ببرنامج زمني فعال يستند إلى دراسة واقع المجتمع البحريني،
إضافة إلى أهمية تشديد الرقابة والمتابعة على مكاتب الاستخدام وذلك تفادياً
لاستغلال العمالة والتحايل عليها، وتطوير آلية إشراف الجهات الحكومية على المكاتب
ومراقبتها لأساليب وطرق معاملتهم للعمالة المنزلية والتزامهم مع أصحاب العمل
والعاملات بتنفيذ بنود العقد الثلاثي، والرقابة على التزام أصحاب العمل ببنود
الاتفاق الثلاثي، وتطوير آليات التواصل مع السفارات ودور الإرسال للمساهمة في حماية
حقوق العمالة المنزلية ومعالجة المشاكل المتعلقة، وإدراج موضوع الاتجار بالبشر في
المناهج التعليمية بالمدارس والجامعات.

الدستور وفقا لأخر تعديل - دستور مملكة البحرين الصادر بتاريخ 14/ 2/ 2002
قانون رقم (1) لسنة 2008 بشأن مكافحة الاتجار بالأشخاص
قرار وزارة الخارجية رقم (15) لسنة 2023 بإعادة تشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص
حقوقية
الشورى: استمرار صدارة البحرين في تصنيف مكافحة الاتجار بالأشخاص نتاج
لجهود حثيثة وعطاءات تؤكد احترام حقوق الإنسان